بعض من رسائلي غير المرتبة ... إليه ... الرسالة الأخيرة ..
أيها الأول، والأجمل، والأغلى ...
يا عزيز عيني ...
أكتب الآن لأجل يومك الخالي من ذكري.. لأجل
طرقاتك الخالية من خطواتي.. لأجل لياليك الخالية من صوتي ووحدتك الخالية من
أنفاسي.. لأجل كل شئ حملته لك فانتهى به الأمر بأن يُلقى وحيداً على أعتابِ وعودِك
السابقة...
لأجلِ الحضور برُغمِ الغياب.. ولأن ألم حضورِك يفوق كثيرا ً ألم غيابك.. ولأن
الحضور والغياب كلاهما قد تساوى لدي معك ...
لأني اعتدت معك الصمت.. أحبك في صمت..
أشتاق إليك في صمت... أبكيك في صمت... وأغادرك في النهاية في صمت ...
لأن الصمت في حضرتك أبلغ من الكلام وأمتع من الكلام ..
لأنني بعد أن كنت الطرف الأضعف، أصبحت في النهاية الأقوي ... الأقوى بالنُبْلِ
وبالألم ...
لأن ألمي في حبك قوي جدا ً.. قوي إلى الحدِ الذي لا أحتمله.. إلى الحدِ الذي
يعتقني ويمجدني.. ألمي في حبك بمثابةِ الصليب الذي أحمله لأكون فداءً، فأخلِّصَكَ
بألمي من ذنبِ وجودِك إلى جواري، وأخْلُص
أنا من وجع الحياة.. لكل هذه الأسباب أكتب إليك، لأُعلِمك، وأُعلِّمك...
أحببتك إلى الحد الذي رفض الاستسلام إلى فكرةِ
أنك تغيرت، فأبقى على صورتك القديمة بمنتهى الخذلان، وبشكل يدعو إلى الاستياء،
أصبحتُ أفاجأ في كل مرة بأفعالك التي تصدمني وتجرحني، لا لشئٍ إلا لأني رفضتُ توقع
أي سئ ٍ منك، أبيت إلا أن أجعلكَ في مخيلتي فارسا ً نبيلا ً لا يأتي بما يأتي به
العامة. صدقني يا صديقي أنا في أمسِّ
الحاجةِ إلى من يُنقذ سيرتك الذاتية لديّ، إلى من يواري سوءاتك، ويبرر
ابتساماتك البلهاء أمامي...
سل أي شئ فيك كان لك في آخر لمسة يدٍ بيننا
ومازال عندك.. ليس قلبك بالطبع كما أنها ليست روحك ولا ابتسامتك .. ربما ذاكرتك.. أجل هي ذاكرتك اللعينة منذ البداية.. سل ذاكرتك ما الذي يبكيني في رسالاتك! أخبرني إذا أجابت.. ربما تخطئ.. أو لعلني أنا المخطئة ...
مزعجٌ هو قلبي.. هذا الذي يأخذ صفك دوماً
ويبرر لك كل الأخطاء، بشكل بات يزعجني من كثرة مبالغته وإسرافه,..
لماذا أنت ؟؟؟
لعلك تتساءل مثلي تماماً ... لماذا أنت دوناً
عن غيرك ؟ لماذا أنت من بين الجميع ؟!!!
إذا كان لديك إجابة عنها فهات لأراها وتنال ثوابي ... أما إذا كنت أنا المعنية
بالجواب عن هذا السؤال، فربما أنا لا أعرف ... ربما لأنني أحببتك بصدق .. أو لأنني
أحببتك بعمق، أو لأنني هربت من العالم الذي ضاق بي إليك ... بعد أن اعتدت الخذلان
من الجميع، لجأت اليك أعلق لديك كل آمالي، وألقي إليك بكلِّ مآتي الزمان .. لم
أتوقع الخذلان منك أنت الآخر ... لم أتوقع سوى ضمة قوية تشفيني من السقم الذي أحاط
بخافقي، لذلك لم أصدقك حينما غادرت، أقسم لك بأنني لم أصدق ذلك .. توقعت أن أذهب
إلى البيت في المساء فأجدك في انتظاري عند الباب، وبحوزتك مجموعة منتقاة من أزهاري
المفضلة .. أن تكون إحدي مزحاتك السخيفة، أو هو مجرد تهور وذلة من أثر التوتر،
سأغفرها لك بكل تأكيد بمجرد أن أضع رأسي على كتفك ... لم أصدق أنك فعلتها - ليسَ
لنُبْلِ أخلاقِك، ولا لأنك تتورّْع عن فعل هذا، وإنما لأنني لم أثق بحياتي بشخصٍ سواك
... نرجسيتي لم تكن لتسمح بتصديق أن يبتعد الشخص الوحيد الذي إطّلع على قلبي ،
ليتركني عارية إلا من حزني .. ثم إنني لم آت بما قد يكون البعد مقابلا ً له،
فعلامَ تعاقبني يا سيد قلبي ... على إخلاصي؟ على أنني لم أستطيع أن أكف عن حبك حتى
عندما تخلصت من قلبي ، أم على الدمع الكثير الذي أذرفته لأجلك وأمامك وبين عينيك،
فما كان منك إلا أن أدرت كتفك إليّ، معلناً لي أنه لم يعد بوسعي أن أبكي بين
ذراعيك ...
أو ربما لأن الأحلام التي حلمتها معك، ووثقتُ بأنها ستصير حقيقة، لم يتحقق منها
إلا القليل ... ربما لا أريد الابتعاد إلا بعد أن أنجز ما تبقى لي ... عِدْ معي .. شعُرْتَ برجفة خافقي ثم
لم تهدِني عناقاً يدفئني ... وأنت الوحيد الذي يعلم حاجتي إلى البكاء والتي لم
أبديها يوما ً أمامهم ، لم تمهلني الوقت لأذوب بين أضلعك وأبكي ملأ قلبي ... وأنت
الوحيد الذي يعلم عن امتناعي عن النوم، وعن مخاوفي وكوابيسي الليلية لم تمنحني
الفرصة لأغفو – ولو قليلاً – على صدرك ... وأنت الوحيد يا سيد دمي الذي يعلم كم
أخاف البعد، ورغم ذلك آثرت أن تسلبني حقي في بقائك ...
ربما لأنني لم أعتد عَدُّ أحلامي إلا على أصابع يديك وأنغامِ صوتك، ربما لخشيتي
على تلك الأحلامِ من التلاشي برحيلك، خوفي من أن أترك لك – ضمن ما تركت – أسباب
بقائي المعدودة، والتي علقتها بحبل الآمال في رقبتك، وتركتها مدلاة على صدرك في
انتظار أن أحضنها وأغفو ... ربما لخشيتي على قلبي الذي بدا لي أنني تركته في جيب
سترتك العلوي إلى اليسار ... ربما لأن الهروب والإنكار عنصرانِ ملازمانِ لرغبتي في
البقاء ...
ربما لهذه الأسباب –أو لغيرها – أرفض الاعتراف برحيلك بلا عودة .. أؤثر فكرة
الخلود والسرمدية الحالمة، والتي تعطي قصتنا قدراً لا بأس به من القدسية
والرومانسية والخلود، يعوضني عن الجرح وخيبة الرجاء !!!
.....
نحن نكذب على أنفسنا .. نغطي فشلنا في الاستمرار ببرقع من القدسية لا يليق
بالخيبة، ونخبئ قلة حيلتنا وضعفنا بقوة الخلود والأبدية الكاذبة ... صدقني يا
صديقي .. عارٌ علينا ما نفعل ... مآتينا لا تليق بهذه القدسية، وذاك الخلود ...
اعترفتَ بأنكَ لم تعد تحبني، وها أنا ذا أعترف
أنا الأخرى ... لم أعد أحبُكَ ... تلك هي البداية ... الخطوة التالية تكمن في
النسيان ... لنا في النسيان حق بعد كل جرح .. لنا في النسيان رحمة وحياة ... حزننا
واحد يا عزيزي وإن اختلفت أسبابه لدى كل منا .. إذا ظللنا في مواجهة أحدنا الآخر
لن نرى سوى حزننا وألمنا ... أما إذا قررنا نسيان الألم يتوجب علينا أن نولى ظهورنا
لبعضنا البعض، ومن ثم للألم القابع بيننا ... دعنا نقابل بهجتنا يا صديقي فنحن
نستحقها بعد كل ما تكبدنا من الألم ... يقولون أنه لكي تنال السعادة، إما أن تحزن
ملأ قلبك، أو أن تفرح ملأ قلبك .. أظن أننا تكبدنا الكثير من الحزن وحملنا أوجاعنا
صلبانا فوق ظهورنا ولم نجنِ شيئا ً.. أظن أنه آن لنا أن نرقص عراة أمام شمس الصباح
علّها تغمر قلوبنا بدفء ينعشها، ويمنحنا الحياة ...
اغفر لي ألمي يا صديقي ... اغفره لي فأنتَ
سببه وهو كله منك وإليك ... لكنني أعدك بأنه الأخير .. الأخير على الإطلاق ...
أعلم أن براءة قلبي وبياض نيتي وأحلامي التي عقدتها جميعاً عليك لن تعود كسابق
عهدها بعد أن لوثَتْها أصابعُك المكسوة بالهجر ... لكن بكائي الطويل على كتف النسيان
سوف يطهرني ويعتقني ... سيغسلني من خطيئة إخلاصي لك بثلجٍ وماءٍ وبَرَدْ ... سيقرأ
على قلبي السلام حتى أغفو طويلاً .. وأغفو عميقا ً وأتحرر من كوابيسي الليلية.. وتتحرر
وسادتي من تكرار أحلامي ..
المخلصة لك ما استطاعت ...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق